الزلزال و ارتداداته: تركة داعش في سوريا

لا يزال التطرف العنيف حاضراُ في شمال شرق سوريا. يجب فهم الاسباب الجذرية لهذه الايديولوجية بغرض منعها من استعادة السيطرة مرة اخرى. في هذه المجموعة من الأوراق البحثية ننظر في دوافع ظهور التطرف العنيف في شمال شرق سوريا، و تقدم توصيات لمحاربته.
المحتوى

مقدمة

يحلل هذا المشروع البحثي دوافع التطرف العنيف في شمال شرق سوريا، مع تركيز خاص على دير الزور. بالنظر إلى السرديات المحلية والسياق التاريخي الذي أدى إلى صعود تنظيم “الدولة الإسلامية” في المنطقة، يهدف المشروع إلى مواجهة التطرف العنيف في المنطقة من خلال نهج مجتمعي المنحى. ويوصى باتخاذ ثلاث مسارات عمل استناداً إلى النتائج التي تم التوصل إليها، وهي: 1) بناء الثقة في السلطات المحلية، 2) تحسين الظروف المعيشية، 3) إعادة إدماج النازحين داخلياً. 

ما اسباب انتشار التطرف العنيف في ديرالزور؟

عوامل اقتصادية اجتماعية

على الرغم من ثرواتها الطبيعية، تقدر نسبة سكان دير الزور الذين يعيشون تحت خط الفقر ، قبل انتفاضة ٢٠١١، بـ٤٠٪. فقد أدت عقود من إهمال الدولة للمناطق الريفية وتهميش القبائل إلى كساد إقتصادي شديد.

كما أدت سنوات من الصراع و التهجير، وما أعقب ذلك من انحدار حاد في تشغيل العمالة والخدمات العامة، إلى تفاقم الفقر في المنطقة. وفي استبيان أجري مع أكثر من ٥٠٠ شخص من شمال شرق سوريا، قدر نحو ستين بالمئة من المستجيبين الظروف المعيشية بأنها سيئة أو سيئة للغاية. وكانت معدلات الرضا عن الخدمات العامة الأساسية (المياه والكهرباء والاتصالات والنقل) منخفضة للغاية.

إن تراكم هذه الظروف يمثل وضعاً خطيراً بما يتعلق بانتشار التطرف العنيف. حيث أنه بإمكان الجماعات المتطرفة إستغلال الفقر والتحولات الكبيرة في الواقع الاجتماعي والاقتصادي لتجنيد الأفراد، وتلقينهم أيديولوجيات متطرفة عنيفة.

وعلاوة على ذلك، لا يمكن إغفال دور الهياكل الاجتماعية في ديناميات التطرف العنيف. والهياكل الاجتماعية الأكثر أهمية في هذا السياق هي القبائل والعشائر. حيث اعتبر نحو ٢٨ في المئة من السكان المستبانين أن العشائر والقبائل ممثلة لمصالحهم الاجتماعية. ولم تتجاوز أي بنية إجتماعية بنية العشائر والقبائل من حيث تمثيل المصالح.

تاريخياً، شكلت العشائر في المنطقة هياكل متماسكة ودائمة. وشهدت العقود القليلة الماضية تطورات أدت إلى حرمان العشائر وقادتها من الحقوق. وقد مهد تفكك القبائل الطريق أمام داعش لاختراق الهياكل الاجتماعية في دير الزور، وبناء قاعدة دعم لنشر خطابها المتطرف العنيف.

دور النزاع: العراق و سوريا 

 

قاتل العديد من السوريين كجزء من المقاومة العراقية خلال المراحل الأولى من حرب العراق. وعندما عاد هؤلاء المقاتلون إلى ديارهم في دير الزور، بدأت الروايات العنيفة المتطرفة تكتسب زخماً (في الفترة بين 2003-2006). وأدى ذلك إلى ظهور أول جماعات مرتبطة بالقاعدة في المنطقة، إلا أنها كانت نادرة بين العائدين. حيث أن المؤكد هو انتشار مجموعات و أفكار تجاهر بحملها أفكار السلفية الجهادية، لكنها مكتفية بالعمل الدعوي دون أي نشاط تنظيمي. 

عندما اندلعت الانتفاضة السورية في العام 2011، ساهم فقدان السيطرة على الحدود في المنطقة في انتشار الأسلحة في ريف دير الزور. ونتيجة لذلك، بدأت الجماعات المسلحة تتشكل في منتصف عام 2011، رغبة منها في التصدي لقوات الحكومة السورية، التي كانت تنفذ حملة قمع عنيفة للمظاهرات السلمية في جميع أنحاء البلاد.

وشهدت الفترة بين 2011 و 2014  تشكيل العديد من الجماعات المسلحة ذات الدوافع الإيديولوجية السلفية الجهادية، و اندلاع مواجهات للسيطرة فيما بين هذه الجماعات. وفي حين أن بعض هذه الجماعات تأخذ طابع محلي وتتكون من سكان محليين، إلا أن معظمها كانت تشكيلات عابرة للمحليات أو جناح لمنظمات دولية مثل جبهة النصرة، التي تعتبر الفرع السوري لتنظيم القاعدة.

إستغلت الجماعات المتطرفة الهياكل الاجتماعية الممزقة (القبائل في المقام الأول) ، و شكلت قواعد دعم محلية. وفي بعض الحالات، اتخذت الجماعات المسلحة شكل ميليشيات قبلية أو عائلية تتركز في منطقة معينة. في هذه الحال، عملت هذه الجماعات على الدفاع عن مصالح القبيلة أو العائلة.

نتيجة لتعدد و تفرق القوى العسكرية ، تم النظر عموماُ إلى تنظيم الدولة الاسلامية وقت إعلان تشكيله في 2013 على أنه مجرد جماعة مسلحة أخرى من بين العديد من الجماعات. إلا أنه و بعد أن عزز تنظيم “الدولة الإسلامية” سلطته في أجزاء أخرى من سوريا (حلب والرقة) في أوائل العام 2014، بدأت المواجهة بينه وبين الجماعات المسلحة الأخرى في دير الزور بالتصاعد. وبحلول أغسطس/آب 2014، كان تنظيم “الدولة الإسلامية” قد فرض سيطرته الكاملة على ديرالزور، باستثناء الجيوب الصغيرة التي ظلت تحت سيطرة قوات الحكومة السورية. 

تواجد مستمر

اليوم، لم يعد لتنظيم داعش معقل في شمال شرق سوريا ويقال إنه هزم رسمياً. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال التنظيم موجوداً ويشكل تهديدا مستمرا للمنطقة. لا يزال أكثر من 20٪ من السكان الذين شملهم الاستطلاع في دير الزور يعتبرون تنظيم “الدولة الإسلامية” التهديد الرئيسي لأمنهم، في حين تتحدث منظمات أمنية وإعلامية عن هجمات متكررة من خلايا داعش النائمة.

و في حين يتم التخطيط و العمل لإخراج الآلاف من سكان مخيم الهول (أغلبهم من أسر مقاتلي داعش السابقين) وإعادة إدماجهم في المجتمع المحلي، تبرز خطورة اعادة انتشار الأيديولوجية المتطرفة العنيفة من جديد في دير الزور. 

في حين يستمر إرث تنظيم “الدولة الإسلامية” في نشر السرديات في دير الزور، يجب إتخاذ إجراءات لضمان عدم إستعادته السلطة.

التوصيات

 

 نوصي أصحاب المصلحة بثلاثة مجالات اساسية للتدخل: 

1) تطوير الثقة في الادارة المحلية

استغل تنظيم داعش مستويات الثقة المنخفضة في السلطات، والتمثيل المدني غير الكافي لبسط السلطة. اليوم، لا تزال مناطق ما بعد داعش في منطقة شمال شق سوريا في مرحلة وليدة من الحكم، مع انخفاض الثقة في السلطات وغيرها من البنى الاجتماعية.

(أ) الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا

لا تتمتع الادارة الذاتية بدعم جميع السكان في شمال شرق سوريا وخاصة العرب.لذلك يجب على الادارة الذاتية زيادة الشفافية في عملياتهم والحد من الفساد. كما يجب تقديم الدعم إلى سلطات الادارة الذاتية لتحسين مستويات المشاركة في الحكومة، لمنع إستغلال الجماعات المتطرفة لعدم الثقة في نهاية المطاف

(ب) المجتمع المحلي

ومن الأهمية بمكان أن نستثمر في آليات تعزز الحوار بين المجتمعات المحلية وأصحاب المصلحة مثل السلطات المحلية، ومنظمات المجتمع المدني، والمنظمات الدولية. ولابد من تحسين العلاقات داخل المنطقة وكذلك العلاقات الخارجية من أجل الحد من نقاط الضعف الاجتماعية التي قد تستخدمها التنظيمات المتطرفة العنيفة، و التي لا تزال موجودة. حيث ترك  تنظيم داعش كميات هائلة من الصدمات في أعقابه بفضل أدوات إيديولوجية لا تزال تجمع الأفراد في سردها، و لذك ولا بد من معالجة بقايا إيديولوجيتها في المجتمع المحلي.

(ج) الهياكل الاجتماعية القائمة (العشائر)

 كما نوصي بإنشاء آلية للتنسيق بين ممثلي الهياكل الاجتماعية التقليدية والسلطات. وسيكون هذا بمثابة قناة للتعبير عن مصالح المجتمع و ايصالها لصانعي القرار، مع بناء الثقة بين هذه المجموعات في نفس الوقت. 

(د) إجراء المزيد من الأبحاث

في هذا المشهد المتقلب تتغير المواقف الاجتماعية بشكل متكرر. إن الفوارق الدقيقة في العلاقات بين المجتمعات المحلية ومختلف أصحاب المصلحة هي أمر حيوي لفهم قدرة المجتمع على مواجهة التطرف. ولذلك لا بد من زيادة الاستثمار  في تقييم الاتجاهات وقياس التصورات المحلية لتحديد أفضل مسارات العمل.

2) تحسين ظروف المعيشة

(أ) تلبية الحاجات الأساسية

إن عدم تلبية الاحتياجات الأساسية في أي مجتمع من المجتمعات يخلق مساحة أمام الجماعات المتطرفة للتجنيد ولنشر سرديتها. إن تحسين فرص الحصول على الخدمات الأساسية بعد سنوات من الصراع أمر حاسم لمنع المتطرفين العنيفين من إستعادة السلطة. وينبغي للمنظمات الدولية والمحلية أن تعطي الأولوية للبرامج الشاملة التي تعالج الفقر ونقص الخدمات، ولا سيما في المناطق الريفية المهمشة.

(ب) تطوير الاقتصاد المحلي

إن قدرة الفئات الضعيفة على مواجهة إستغلال المتطرفين تتوقف على الظروف الاقتصادية. ومن المستحسن وضع برامج تركز على التدريب المهني ودعم المشاريع الصغيرة والمؤسسات الاجتماعية من أجل تنمية الاقتصاد المحلي في دير الزور وحوله لتعزيز هذه المرونة. وينبغي أن تراعي البرامج الاقتصادية الديناميات الجندرية في المنطقة، مع التوصية ببرامج خاصة تركز على التمكين الاقتصادي للمرأة.

3) إعادة دمج النازحين والعائدين

مع خروج العديد من النازحين داخلياً ومقاتلين سابقين في داعش من مخيم الهول وغيره من مخيمات النزوح، فإنه من الضروري إتخاذ إجراءات لمنع انتشار التطرف العنيف في المجتمعات المحلية التي يعودون إليها. وينبغي تنفيذ برامج الدعم النفسي لكل من المتطرفين العنيفين وضحاياهم. ومن المستحسن إتخاذ مبادرات لمكافحة الوصم الاجتماعي ضد المتطرفين السابقين، حيث ينبغي إدراج هذه الفئة في برامج تنمية المجتمع المدني مثل التمكين الاقتصادي. 

توصية أخيرة:

إن محركات التطرف العنيف متعددة الأبعاد ومتشابكة، كما هو الحال في السياق الذي أدى إلى انتشار السرديات المتطرفة. لذلك، فإن آليات التدخل الحساسة محلياً والقائمة على المجتمع المحلي تحظى بفرصة أعلى لمكافحة التطرف العنيف. لذلك يجب أن تكون جميع الاستجابات موجهة للمجتمع، كما يجب تقديم الدعم للسكان المحليين لمواجهة الخطاب المتطرف الذي يدفع الأفراد إلى التعاطف مع تنظيمات مثل داعش.

مجموعة الاوراق البحثية

خلفية نظرية حول مكافحة التطرف العنيف

يقدم د.سامويل هينكين من الاتحاد الوطني لدراسة والتصدي للإرهاب (START) في جامعة ميريلاند مقدمة لهذا المشروع، مسلطاً الضوء على أهمية بناء القدرة المحلية على الصمود في وجه التطرف العنيف في  شمال شرق سوريا. عمل فريق START كشريك لايمباكت في هذا المشروع، وقدم الدعم والخبرة الفنية خلال العملية.

الاتجاهات السياسية والاجتماعية في شمال شرق سوريا

قام فريق البحث الميداني التابع لامباكت باستبيان أكثر من 500 شخص من سكان شمال شرق سوريا لإصدار هذا التقرير عن الاتجاهات الاجتماعية والسياسية، فضلا عن أولويات المجتمع المحلي. تشير نتائج الاستبيان إلى أنه وعلى الرغم من انخفاض أعمال العنف منذ عام 2018، لا يزال الأمن يشكل أولوية قصوى بالنسبة للسكان المحليين في شمال شرق سوريا. ولا يزال تنظيم “الدولة الإسلامية” يعتبر تهديداً أمنياً رئيسياُ للسكان في معظم أجزاء المنطقة. ومما زاد من تفاقم هذه المسألة، أن السكان أعربوا عن مستويات متباينة للغاية من الثقة في السلطات المحلية. وعموماً، فإن الرضا عن هذه السلطات منخفض، مع غياب التمثيل السياسي. في حين لاتزال الهياكل الاجتماعية التقليدية حاضرة بقوة، حيث يعتقد العديد من السكان أن قادة القبائل وغيرهم من الشخصيات المجتمعية يمثلون مصالح مجتمعهم بصورة جيدة

السياق التاريخي للفصائل المسلحة

في هذه الورقة، يتتبع ورد الفراتي المراحل الرئيسية لوجود تنظيم “الدولة الإسلامية” في دير الزور ويقدم تقريراً مفصلاً عن الفصائل العسكرية في المحافظة بعد عام 2011. ومن بين العوامل الجديرة بالملاحظة في هذا السياق تبرز التحالفات العسكرية، والأيديولوجيات المحركة لها، والمواجهات العسكرية الداخلية، والصراعات بين الفصائل العسكرية المتخلفة وتنظيم الدولة الإسلامية

العوامل الاجتماعية والاقتصادية للتطرف العنيف في شمال شرق سوريا

يقدم زكي محشي تحليلاً لخمسة عوامل إجتماعية واقتصادية رئيسية مرتبطة بنمو التطرف العنيف: 1) مستويات المعيشة، 2) سوق العمل، 3) الخدمات العامة، 4) التعليم والثقافة، 5) الهياكل والشبكات الاجتماعية. تبحث الورقة في دور هذه العوامل في تشكيل بيئة يكون فيها الأفراد أكثر عرضة لخطاب التطرف العنيف، ودرجة إستغلال هذه العوامل من قبل هذه الجماعات. وتقدم الورقة أيضا توصيات برنامجية وسياساتية بشأن كيفية الحد من الأثر السلبي للعوامل الخمسة، وتحويلها إلى عوامل تحفز على التغيير الإيجابي.

مقاربة التنظيمات المتطرفة للهياكل الاجتماعية 

تلقي الورقة البحثية الأخيرة نظرة متعمقة على العلاقة بين الهياكل الاجتماعية (في هذه الحالة، العشائر) في شمال شرق سوريا ودورها في سرديات التطرف العنيف. يقدم حسام جزماتي عرضاً عن تغير دور القبائل في دير الزور مع تعاقب  قوى السيطرة المختلفة على المنطقة، بما في ذلك الإدارة الذاتية الحالية. وتحلل الورقة أيضاً رواية تنظيم “الدولة الإسلامية” حول الهياكل الاجتماعية (العشائر)، والطريقة التي استغل بها العلاقات المجزأة لتعزيز إيديولوجيته المتطرفة. تمت مراجعة هذه الورقة من قبل د. حيان دخان.

Scroll to Top