الفوضى المنظمة: كيف تطورت المنظمات غير الربحية في مناطق النزاع الى قطاع اقتصادي

تركز هذه المجموعة من الأوراق البحثية على دراسة قطاع المساعدات التنموية و الإنسانية من وجهة نظر اقتصادية، و على تقييم الدور الاقتصادي الاجتماعي لقطاع المنظمات غير الربحية، و تحليل الأثر البعيد المدى لهذا القطاع بما يتجاوز اهداف المشاريع المباشرة.

أدى الصراع الممتد في سوريا الذي تلى الاحتجاجات الشعبية في آذار/مارس 2011 إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم اليوم، مع ما يقدر بأكثر من 15 مليون شخص بحاجة للمساعدات الإنسانية في عام 2023. كما أن الاحتيجات المتزايدة للسكان تتفاقم نتيحة لفشل وانهيار الدولة المركزية والمؤسسات العامة، وتدهور الاقتصاد واستمرار الأعمال العدائية وتفكك النسيج الاجتماعي. 

في خضم هذا الواقع، تلعب المساعدات الدولية لسوريا دوراً محورياُ في الاستجابة للاحتياجات الإنسانية و ملء ثغرات تقديم الخدمات و الاستثمار في جهود التماسك المجتمعي و بناء السلام. فقد تم تخصيص مليارات الدولارات الأميركية لسوريا منذ عام 2011، و التي يتم إدارة و توزيع الجزء الأعظم منها عن طريق جهات غير حكومية، و بشكل أكثر تحديداُ جهات غير ربحية، دولية كانت أم محلية.

 تركز هذه المجموعة من الأوراق البحثية على دراسة قطاع المساعدات التنموية و الإنسانية من وجهة نظر اقتصادية، و على تقييم الدور الاقتصادي الاجتماعي لقطاع المنظمات غير الربحية، و تحليل الأثر البعيد المدى لهذا القطاع الذي يتجاوز أهداف المشاريع المباشرة.

تقدم الورقة الأولى في هذه المجموعة نظرة شاملة على صناعة المساعدات الإنسانية الدولية في سوريا و آثارها الاقتصادية والسياسية. يستهل الباحث د. جوزيف ضاهر الورقة بتقديم صورة عن الاقتصاد السوري قبل 2011 و عن تطور القطاع غير الربحي في سوريا. لينتقل بعدها إلى تحديد أهم مصادر تمويل القطاع غير الربحي، الحكومية منها والخاصة، مقدماً تحليلاً لطبيعة و توزع هذه التمويلات و علاقتها بالاقتصاد السوري. و تخلص الورقة بالخوض في التأثير السياسي و علاقات القوة و النفوذ مع سلطات الأمر الواقع في مختلف مناطق السيطرة.  

يشير د.ضاهر في هذه الورقة إلى أنه  بالرغم من الازدياد الملحوظ في تمويلات التعافي المبكر فإن المساعات الدولية لسوريا لا تزال بالأغلب موجهة للاستحابة الطارئة، و هي تساهم بالتالي في خلق اقتصاد استهلاكي عوضاُ عن اقتصاد إنتاجي. و يخلص بناء على ذلك إلى اقتراح أن الانتقال نحو تمويلات موجهة أكثر للتنمية و التعافي المبكر هو شرط ضروري لترميم وتنمية البنية التحتية و القطاعات المنتجة للاقتصاد، إلا أن جملة من العقبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية تعوق هذا الانتقال.

 

تقدم الورقة الثانية في هذه المجموعة تحليلاُ ميكروياً ل دور وديناميكيات القطاع غير الربحي، من خلال دراسة حالة 6 مدن ضمن سوريا من مناطق سيطرة مختلفة، و هي: القامشلي والرقة و إدلب و إعزاز ودمشق وحلب. حيث يستقصي الباحثان زكي محشي ومؤيد البني الأثر الاقتصادي الاجتماعي لأنشطة القطاع غير الربحي في المدن المحددة، و ذلك من خلال تحليل فئات أساسية كالغذاء والتغذية، خدمات الصحة،خدمات التعليم، فرص العمل، ظروف السكن والبنية التحتية على المستوى المحلي، و التماسك المجتمعي. كما تدرس الورقة بيئة القطاع عير الربحي وعلاقات القوة المعقدة مع الجهات الفاعلة المؤثرة عليها، بما في ذلك الجهات الفاعلة العامة الرسمية والجهات الدولية والمجتمع المدني المحلي والكيانات العسكرية و الأمنية. تعاين الورقة كذلك إجرائيات الشراء ضمن مؤسسات القطاع غير الربحي. 

يختم محشي و البني بالإضاءة على أربع نتائج أساسية لتحليلهما. النتيجة الأولى هي اتساع الهوة بين الاحتياجات و بين قدرات مؤسسات القطاع غير الربحي، ما يؤدي إلى التشرذم وعدم الاستدامة. النتيجة الثانية هي الرقابة الأمنية الصارمة و ضعف أنظة المراقبة الفعالية، ما يخلق بيئة محفزة للفساد والمحسوبية. أما النتيجة الثالثة فهي مرتبطة بإجرائيات الشراء والفجوة بين السياسات و المعايير من جهة و التطبيق من جهة ثانية. و النتيجة الرابعة التي يخلص لها الباحثان هي ازياد الاعتمادية على القطاع غير الربحي، وهشاشة الأخير أمام متغيرات السياق السياسي وعدم استقرار التمويل و علاقات القوة المختلفة.  
كما يقدم الباحثان في نهاية الورقة جملة من التوصيات العامة والعملية للتعامل مع النتائج التي تم طرحها وتخفيف آثارها السلبية.

 

تبحث الورقة الثالثة في الأثر طويل الأمد والبصمة الاقتصادية للقطاع غير الربحي في سوريا. حيث يقدم د.جوزيف ضاهر تحليلاُ نقدياً لقطاع المساعدات و الدور المحتمل للقطاع غير الربحي في التعافي والنمو الاقتصادي، في تطوير رأس المال البشري؛ و ذلك بالاستعانة بمقارنات و دراسة حالة من سياقات نزاع اخرى ذات اعتمادية على المساعدات.

يحاجج د.ضاهر أن نمط و ديناميكيات نظام المساعدات الدولية يعود بالنفع على اقتصاد استهلاكي لا يقود بالضرورة إلى النمو الاقتصادي. و يعرض بذلك العلاقة بين المساعدات الدولية و تطوير رأس المال البشري والنمو الاقتصادي كعلاقة غير خطية وغير حتمية، وإنما مرتبطة ومتعلقة بجملة من الشروط المعقدة كوجود بيئة اقتصادية تمكينية و سياسات عامة (حكومية) اجتماعية اقتصادية وتنموية.  

تبحث الورقة كذلك في قضية استدامة نشاط المجتمع المدني في ظل تقلص التمويل والتقلبات في السياق الجيوسياسي وتعطل الحل السياسي للنزاع السوري. يخلص د.ضاهر إلى ان المجتمع المدني السوري على مفترق طرق، حيث تبرز الحاجة لمقاربات إبداعية وعملية لخلق مشاركة فعالة للمجتمع المدني في التعافي المبكر و من بعده إعادة الإعمار و نحو التنمية المستدامة.

 

                              د. جوزيف ضاهر

                      زكي محشي و مؤيد البني

Scroll to Top