مراكز أم فقاعات: المجتمع المدني السوري بعد عقد من الصراع

يستند هذا التقرير إلى بيانات تم جمعها من خلال مسح وتصنيف لمنظمات المجتمع المدني، سواء كانت مراكزها الرئيسية في سوريا أو تمارس نشاطاتها في الداخل السوري، في صيف عام ٢٠٢١. شارك في الاستطلاع ما مجموعه ٧٦٧ منظمة من منظمات المجتمع المدني يتواجد ٩٠٪ منها داخل سوريا.
المحتوى
يعتمد هذا التقرير على تحليل المرحلة الرابعة من مسح منظمات المجتمع المدني في سوريا. تم جمع البيانات الخاصة بهذه المرحلة خلال عامي 2020-2021. يعتبر هذا التقرير استمراراُ للمراحل السابقة من المسح  والتي تم تنفيذها في 2015 (المرحلة الاولى)، 2016 (المرحلة الثانية) و 2018 (المرحلة الثالثة). 

ملخص تنفيذي

تواصل منظمات المجتمع المدني السورية القيام بدور مهم في سوريا رغم التغيرات المهمة التي شهدتها البيئة المحيطة. فمنذ إجراء آخر مسح (في خريف 2018)، انحسر مستوى العنف والعمليات القتالية، وتفاقمت الأزمة الاقتصادية، وتضررت المنطقة بوباء فيروس كورونا. أما على مستوى السيطرة العسكرية والسياسية، فالخريطة السورية الخاضعة أساسا لسيطرة قوى متعددة قبل ٢٠١٨، باتت مقسمة إلى ثلاثة خطوط رئيسة: الشمال الشرقي، والشمال الغربي، والمناطق التي تسيطر عليها الحكومة. هذه الانقسامات، إلى جانب استجابات منظمات المساعدات الإنسانية بحسب كل منطقة وتِبعاً لكل قسم، تُؤطر إلى حد كبير عمل منظمات المجتمع المدني، وتفرض آليات عمل وروابط فيما بينها من جهة، ومع المنظمات الدولية من جهة أخرى.

يستند هذا التقرير إلى بيانات تم جمعها من خلال مسح وتصنيف لمنظمات المجتمع المدني، سواء كانت مراكزها الرئيسية في سوريا أو تمارس نشاطاتها في الداخل السوري، في صيف عام 2021. شارك في الاستطلاع ما مجموعه 767 منظمة من منظمات المجتمع المدني يتواجد 90 % منها داخل سوريا. تتوزع بين؛ 249 منظمة مجتمع مدني من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، و218 منظمة من إدلب تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام”، و61 منظمة من منطقة شمال غرب سوريا والخاضعة فعلياً للسيطرة التركية، و96، 58، 68 منظمة مجتمع مدني من أجزاء تابعة للرقة ودير الزور والحسكة على الترتيب والخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، ولم يتم إدراج مناطق ما يسمى “نبع السلام” الخاضعة للسيطرة التركية لصعوبة الوصول إليها.

فيما يلي بعض النتائج الرئيسية:

النتائج الرئيسية

مراكز
  • تعمل العديد من منظمات المجتمع المدني السورية والمنظمات الدولية من مراكز محلية أو إقليمية. فحيث تمثل دمشق المركز الرئيسي في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، تعتبر غازي عينتاب في تركيا النقطة المركزية في الشمال الغربي. أما في الشمال الشرقي، فالصورة أكثر تعقيداً، حيث تتركز غالبية منظمات المجتمع المدني المحلية في مدن الرقة والحسكة والقامشلي، في حين تتجمع المنظمات الدولية في أماكن آمنة نسبياً في شمال شرق سوريا الأقصى.
تداخل بالحد الادنى بين المناطق
  • علاقات منظمات المجتمع المدني السورية ببعضها البعض وبالمنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة، تقتصر على الحدود الفعلية لحكم الأمر الواقع في مناطق السيطرة والمراكز الرئيسية. حوالي 1% من 767 منظمة مجتمع مدني تنفذ مشاريعاً في أكثر من منطقة من مناطق السيطرة.
المزيد من المنظمات
  • تزايد عدد منظمات المجتمع المدني حديثة الإنشاء بشكل ملحوظ منذ 2018، ويُعزى ذلك بشكل أساسي إلى تقلص سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” وانتشار منظمات جديدة في الأجزاء الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية” من الرقة ودير الزور.
التسجيل
  • يظهر المسح ميل المنظمات إلى القيام بإجراءات التسجيل القانوني، باستثناء المنظمات العاملة في إدلب حيث أن 40% مما مجموعه 218 منظمة في ادلب غير مسجلة في أي مكان.
صغر الحجم
  • غالبية منظمات المجتمع المدني التي شملها المسح منظمات صغيرة، يبلغ عدد أعضائها 30 عضواً أو اقل، وتشير التقارير إلى اعتماد هذه المنظمات الكبير على الموظفين والمتطوعين المؤقتين تبعاً للمشاريع التي تقوم بها.
هيمنة الرجال
  • تشكل المنظمات التي لا تضم نساء أقلية صغيرة، باستثناء المنظمات العاملة في مناطق شمال غرب سوريا الخاضعة للقوات المدعومة من تركيا. رغم ذلك، يشكل الرجال الأغلبية في معظم منظمات المجتمع المدني.
هياكل معقدة
  • لدى عدد كبير من منظمات المجتمع المدني السورية هيكلية تنظيمية معقدة. فقد أفاد نصف هذه المنظمات على الأقل بأنهم حصلوا على منح من جهات مانحة كبيرة، مما يتطلب قدرة مؤسساتية قوية.
الميزانيات والتمويل
  •        لم تبلّغ سوى 50% من منظمات المجتمع المدني عن حجم ميزانيتها. وكان إجمالي المبلغ المعلن عنه قليلاً جداً مقارنة بحجم الاستجابة في سوريا.
  • أفاد نحو 20% من منظمات المجتمع المدني عن اعتمادها الكلي على التبرعات لتأمين التمويل، بينما أفاد 55% منها أن التبرعات تشكل مصدراً أساسياً من أهم ثلاث مصادر تمويل تعتمد عليها.
مجالات العمل 
  •  أكثر مجالات العمل شيوعاً بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني هي الإغاثة الإنسانية والخدمات الاجتماعية بنسبة (51%)، تليها التنمية بنسبة (49%) والتعليم (36%) والصحة (35%).
 حجم الاستجابة  
  • نفذت منظمات المجتمع المدني نحو 2800 مشروع في السنة التي سبقت المسح، وهو ما يعادل نحو 4 مشاريع لكل منظمة.

التوصيات

إلى أصحاب المصلحة الدوليين:

  • • المساعدات الإنسانية والإنمائية: نشجع الجهات المانحة على مواصلة التوازن بين المساعدات الإنسانية التي تهدف إلى تلبية الاحتياجات الأساسية واحتياجات الطوارئ، ومساعدات التنمية التي تستثمر أكثر على المدى الطويل، نظراً إلى أن واقع اليوم في جميع أنحاء سورية بحاجة إلى كِلا النوعين من الدعم.  

• زيادة التمويل المباشر للمنظمات السورية داخل سوريا: نشجع الجهات المانحة الرئيسية على تنويع الجهات المانحة داخل سورية وزيادة أعدادها نظراً إلى أن نسبة الأموال التي تصل إلى منظمات المجتمع المدني السورية المحلية، كما تظهر البيانات، تافهة بالمقارنة مع الميزانية الإجمالية.

 

• دعم التنمية الداخلية والنمو: معظم المنظمات السورية صغيرة جداً. ومن أجل مساعدة منظمات المجتمع المدني السورية على النمو وزيادة مهنيتها وكفاءتها وقدرتها على تنفيذ مشاريع كبيرة، نشجع الجهات المانحة الكبيرة على دعم التنمية الداخلية عن طريق توفير التمويل الأساسي على سبيل المثال. فكلما كانت منظمات المجتمع المدني السورية أكبر وأكثر مهنيّةً، كلّما كان تأثيرها أكبر على الأرض.

 

• جمع التمويل: وعلى الرغم من أن جمع التمويل يمثل مشكلة بالنسبة للعديد من المنظمات، فإن عدداً قليلاً جداً منها لديه إدارات لجمع الأموال. وكما هو موضَّح في التقرير، يمكن أن يكون ذلك لأن هذه الممارسة – كما حدث في الغرب – ليست شائعة في سوريا. ونشجّع الجهات المانحة التي تركز على بناء القدرات على مساعدة المنظمات السورية في تدريب وتوظيف حملات لجمع التبرعات، وإنشاء إدارات لجمع الأموال.

 

• الأبحاث: نشجع الجهات المانحة على دعم البحوث المتعلقة بمنظمات المجتمع المدني، بما في ذلك جمع البيانات الكميّة والبحوث الميدانية التي من شأنها أن تساعد على رسم خريطة لنشاط منظمات المجتمع المدني السورية وفهم البيئة المتغيرة بسرعة حولها. وفي مجال البحوث الإنسانية، نشجع الجهات المانحة على دعم منظمات المجتمع المدني وتدريبها على إجراء تقييمات لآثار المعونة الإنسانية والإنمائية، بما في ذلك نظم المراقبة و التقييم الصارمة.

 

• مراكز وليس فقاعات: في حين أن المراكز المحلية والإقليمية مهمة لتنظيم أعمال المساعدات الانسانية، يجب على الجهات المانحة الكبيرة والمنظمات غير الحكومية الدولية والمنظمات السورية التي تتركز في المراكز الإقليمية أو المحلية الكبيرة أن تحرص على عدم تحويل هذه المراكز إلى فقاعة تحد من التفاعل مع أولئك الموجودين فعلياً في المركز، حيث تزدهر العلاقات غير الرسمية. وقد يأتي هذا على حساب المؤسسات التي ليس لديها إمكانية وصول سهلة إلى المركز. 

 

• نشجع المانحين الدوليين والسلطات المحلية بشدّة على تحسين البيئة القانونية لتيسير عمل منظمات المجتمع المدني، وعلى دعمها ليس فقط لتنفيذ المشاريع الإنسانية والإنمائية، بل أيضا على التفكير والكتابة والمناصرة بشأن المسائل المتعلقة بالتغيير الاجتماعي، والعلاقات بين الدولة والمجتمع، والسلطة والقوى السياسية.  

إلى منظمات المجتمع المدني السورية:

• تنويع مصادر التمويل: نشجع منظمات المجتمع المدني السورية على البحث باستمرار عن مصادر جديدة للتمويل وعلى السعي لتنويعها قدر الإمكان. وينطبق هذا على وجه الخصوص على نحو 28% من منظمات المجتمع المدني التي أفادت باعتمادها حصرا على التبرعات، و( 20%)  منها  تعتمد حصراً على المنظمات غير السورية. وفي حين يتم تشجيع الفئة الأولى على الاستثمار في المهارات والقدرات التي يمكن أن تساعدها على الوصول للمساعدات الدولية، ونشجع الفئة الأخيرة على الاستثمار في جمع الأموال الخاصة محلياً، من الشتات السوري أو من مصادر غير سورية.

 

• تمكين المرأة: تشير البيانات إلى أن منظمات المجتمع المدني السورية تولي اهتماما كبيرا “للمرأة”، ولبرامج “تمكين المرأة” باعتبارها مجموعة مستهدفة. تنطبق هذه التوصية بشكل خاص على أجزاء من شمال غرب البلاد التي تخضع لسيطرة القوات المدعومة من تركيا، حيث تغيب النساء تماماً عمّا يقارب  (50%)  تقريباً من منظمات المجتمع المدني التي شملها المسح هناك.

 

• البحث وجمع البيانات: كما نشجع المنظمات السورية على إعداد البيانات ذات الصلة وتدريب الموظفين على ذلك بشكل مِهَني، نظرا لأن المعلومات الدقيقة تساعد على تخطيط المشاريع وتنفيذها بشكل أفضل. 

 

• المناصرة والتحالف والوصول: نشجع منظمات المجتمع المدني على تشكيل تحالفات لمناصرة قاضاياها، في المناطق الواقعة خارج سيطرة الحكومة، ثلث المنظمات التي شاركت في المسح فقط – أي 185 منظمة من أصل 518 – أفادت بأنها في تحالف. حيث أنه من شأن قنوات التنسيق والتواصل هذه أن تساعد منظمات المجتمع المدني على مناصرة القضايا المشتركة على الصعيدين المحلي والدولي. كما يمكن أن يساعد ذلك على تبادل الخبرات وتحسين الوصول إلى موارد التمويل. 

 

Scroll to Top