ملخص تنفيذي
بعد ما يقرب من ثماني سنوات على اندلاع الانتفاضة في سوريا، اضطر ما يقارب نصف سكان البلاد إلى الفرار نتيجة أعمال العنف، حيث تفيد التقارير أن عدد نازحي الداخل تجاوز 6 ملايين. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال البلاد مجزأة تحت مناطق حكم متعددة، مع تأثيرات مباشرة على المجتمعات المحلية في حياتهم اليومية، والتي تختلف من منطقة إلى أخرى وحتى من مدينة إلى أخرى. يمثل هذا التقرير دراسة حالة عن آثار النزوح وتبدّل قوى السيطرة على المجتمعات المضيفة في شمال سوريا وكذلك على النازحين داخليًا الذين يعيشون ضمن هذه المجتمعات؛ وذلك من خلال النظر في التحديات اليومية وتحليلها ضمن السياق إذ يركّز هذا التقرير على الوضع المحلي في خمسة مواقع رئيسية: اعزاز، الباب، عفرين، راجو وجنديرس.
تشير نتائج دراسة الحالة هذه إلى أنه يمكن التمييز بوضوح بين الوضع في منطقة عفرين (عفرين وجنديرس وراجو)، وبين الوضع في مدينتي الباب واعزاز، إذ لا تزال كل من مدينتي الباب واعزاز تحت السيطرة الحالية منذ نهاية عملية درع الفرات مطلع العام 2017 كما وأنهما تنتقلان بشكل تدريجي إلى حالة من الاستقرار النسبي. لكن، في ناحية عفرين، والتي تمت السيطرة عليها ضمن عملية غصن الزيتون بحلول آذار 2018، أدى تشريد السكان المحليين وإعادة توطين النازحين داخلياً بالإضافة إلى التوتر العرقي القائم، إلى خلق ظروف أكثر صعوبة. في حين أن معظم التحديات اليومية الحرجة التي يواجهها السكان في الباب واعزاز، سواء كانوا من السكان المحليين أو نازحي الداخل، ترتبط بالظروف المالية القاسية والوصول المحدود إلى الخدمات، أمّا الوضع في عفرين فيتّسم بدرجة عالية من التناقضات بين السكان المحليين والنازحين داخليًا على جميع المستويات بدءًا من الأمن في منزل الفرد والحصول على سبل العيش وحرية الحركة وصولًا إلى ممارسة التقاليد. أدّت انتهاكات حقوق الإنسان والممارسات التمييزية ضد السكان المحليين في منطقة عفرين من قبل الجماعة المسلحة المسيطرة، والامتياز الممنوح للنازحين داخليًا من خلال صلاتهم بهذه الجماعات، إلى دفع السكان المحليين في ناحية عفرين إلى حالة من العزلة مع محيطهم وإحساس عام بعدم الثقة بل وحتى العداء تجاه الأشخاص النازحين داخليًا، الذين يشعرون أيضًا بالتفكك في مجتمعاتهم المضيفة وبالتالي تمزّق النسيج الاجتماعي للمنطقة.
بصرف النظر عن تلك الاختلافات في الأوضاع بين كل من عفرين، والباب واعزاز، فإنّ التأثير التركي المتصاعد داخل المنطقة واضح، ذلك أن تركيا، من خلال الدعم الرسمي للفصائل العسكرية والاستثمارات الضخمة في إصلاح البنية التحتية والدعم الإداري والمالي المباشر لهياكل الحكم المحلي، وغيرها من قنوات التأثير المباشر وغير المباشر، باتت الحاكم الفعلي في المنطقة. لذلك، فإن التوصيات الواردة في هذا التقرير موجهة جزئيًا إلى السلطات التركية بوصفها طرف مؤثر وصانع للقرار في المنطقة، بالإضافة إلى ذلك يتم تقديم مجموعة من التوصيات لصانعي السياسات الدوليين والمانحين ومنظمات المجتمع المدني وذلك للاستجابة للتحديات المرصودة والسماح بمزيد من التدخلات ذات الصلة.