العملية التعليمية في مناطق شمال شرق سوريا المختلطة إثنياً

تمثّل العملية التعليمية في شمال شرق سوريا أحد أهم المسائل إثارة للجدل، ذلك أن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا ترى من حق الجماعات الإثنية التعلّم بلغاتها الأم، ، لكن الحكومة السورية لا تعترف بالمناهج الغير عربية، مما يضع الطلاب امام عقبات جمة يبحث هذه الورقة في وضع التعليم في المناطق ذات اللغات المتعددة و تطرح تقييما للتجربة الحاصلة مع توصيات للتطوير
المحتوى

ملخص تنفيذي

تمثّل العملية التعليمية في شمال شرق سوريا أحد أهم المسائل إثارة للجدل، ذلك أن الإدارة الذاتية المعلن عنها في 2014 سعت عبر التعليم إلى فرض نفوذها الاجتماعي، كما أنها ترى من حق الجماعات الإثنية التعلّم بلغاتها الأم، لكن هذه المسألة تطرح طائفة من المشكلات حول تعدّد المناهج التعليمية في شمال شرق سوريا، ومستقبل الشهادات التي تمنحها الإدارة للطلبة والتلاميذ، والانقسام الشعبي والسياسي حول جدوى ومستقبل العملية التعليمية ومصير الطلبة لا سيما حملة الشهادتين الإعدادية والثانوية لجهة الاعتراف بالشهادات التي تمنحها الإدارة، وأيضاً مستقبل الهيئة التعليمية والكوادر المعدّة للتدريس باللغتين الكردية والسريانية.
تحوّلت مشكلة التعليم في شمال شرق سوريا إلى مادة للتنافس السياسي بين مختلف الأطراف، وإلى هاجس يؤرّق ذوي الطلبة، إذ يتردّد جزء من الأهالي في إرسال أبنائهم إلى مدارس الإدارة نتيجة للمخاوف المتصلة بمستقبل الشهادات وشرعيتها، وعلى عكس مدارس الإدارة فإن المدارس الحكومية تكتظ بالطلبة الذين يصل عددهم داخل القاعة الواحدة إلى 75 إلى 80، فضلاً عن انعدام البيئة التعلمية فيها وإن في الحدود الدنيا.
أمّنت اللقاءات المباشرة، مع مختصّين في العملية التعليمية والمقابلات مع ذوي الطلاب ومسؤولين عن العملية التعليمية، الوصول إلى فهم أعمق لطبيعة المشكلات الناجمة عن استقلالية التعليم في شمال شرق سوريا، والفرص القائمة للوصول إلى تسوية ما تساهم في الاتفاق على مناهج موحّدة، وتضفي الشرعية على الشهادات، وتقلّل من الجوانب الإيديولوجية الموجودة في منهاجي الحكومة والإدارة الذاتية، وإيجاد حل مستقبلي لمصير القائمين على العملية التعليمية من إداريين ومدرّسين ومدرسات بما في ذلك إعادة تأهيل الكوادر التعليمية، والأهم إيجاد مخرج لمسألة تعدّد لغات المناهج حيث تعمد الإدارة إلى تدريس الطلاب بلغاتهم الأم فيما ترفض دمشق التعليم بغير العربية، وزيادة الانفاق على العملية التعليمية. وكذلك تحتم العملية التعليمية في شكلها الحالي اقتراح الحلول العملية والاسعافية للتخلّص من الأبعاد السياسية
تركّز الدراسة في هذا الجزء على المناطق ذات الغالبية الكردية وتلك المختلطة إثنياً والتي تضم تواجدا للاجهزة الحكومية على التوازي مع الادارة الذاتية، فيما سنحاول في مرحلة لاحقة التركيز على مناطق دير الزور والرقة لتصبح صورة واقع العملية التعليمية أوضح

توصيات

أولاً: زيادة الإنفاق عل التعليم وزيادة المخصصات في الميزانية والموازنة العامة

من غير المعلوم حجم الإنفاق والمخصصات المالية والصرفيات للمدارس والمدرسين ومجمل العملية التربوية التعليمية، لعدم كشف الإدارة الذاتية عن ميزانيتها الكلية، والكتلة المالية المخصصة لهيئة التربية. لكن جميع المدارس الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، إنما هي من منشآت الحكومة السورية، ولم تبني الإدارة الذاتية أيّ مدرسة، أو معهد، أو جامعة، ولم تطور البنية التحية لتلك المدارس من ملاعب وصالات رياضة وحدائق ضمن المدرسة، أو تطوير المختبرات…إلخ.

ثانياً: تحييد التعليم عن الخلافات السياسية والإيديولوجية والاتفاق على منهاج موحّد

لا بديل عن تأكيد اعتراف وطني عام بالمنهاج نظرا لعدم وضوح صورة المستقبل السياسي للمنطقة حالياً، وعدم وضع التعليم في جدول التنافس السياسي والإيديولجي، ينبغي أيضاً إبعاد المواد التعليمية العلمية عن مسار الخلافات السياسة (الرياضيات والعلوم والفيزياء والكيمياء).
إن التوافق على منهاج موحد سيعني بالضرورة كتابة نظام داخلي خاص بالتربية، يوضح آليات تقويم وتقييم لكل مدرّس لا يحمل شهادة جامعية للاستفادة من خبرتهم التراكمية. من ناحية أخرى المجتمع المحلي غير معني بسياسات هياكل الحكم المحلية التي لا تتمكن من كسب أيّ اعتراف دولي إقليمي بالشهادات الصادرة عن هيئاته التعليمية.

ثالثاً: العمل على إعادة تأهيل الكوادر التعليمية للإدارة الذاتية

يجب تشكيل لجنة خاصة من الكفاءات على أن لا تكون حزبية وتكون محايدة؛ فالتحدي في هذا الميدان يتمثل في كيفية الاستفادة ممن حمل خبرة تراكمية، والاستفادة من الخبرات التربوية الموجودة في المنطقة. مهمة اللجنة فرز المدرسين إلى ثلاث شرائح، أولاً: حملة الشهادتين الإعدادية والثانوية. ثانياً: الطلبة الجامعيين الذين لم يُنهوا دراستهم بعد، وهذه تقسم إلى قسمين: طلبة كليات التربية والآداب والعلوم يتم التعامل معهم بشكل خاص. وطلبة الهندسة وباقي الفروع والمعاهد التي ليس لهم علاقة مباشرة مع التربية. ثالثاً: طلبة جامعة “روج افا” الذين تخرجوا بعد عامين فقط. أما خريجي الجامعات والمعاهد السورية يحق لهم البقاء ضمن ملاك التربية…حيث يتم التعامل مع الشرائح الثلاث وفقاً لما يحملونه من تحصيل علمي، وتراكم معرفي وخبرة في طرائق التدريس، ويتم على ذلك الأساس فرزهم إما إلى دورات تأهيل، أو إلى سلك التربية، أو إبعادهم إلى وظائف أخرى خارج السلك التعليمي.

رابعا : فصل الإيديولوجيات والسياسية عن التعليم والمناهج

وذلك عن طريق اتخاذ الخطوات التالية
1-فصل التعليم والتربية عن السياسية، وإبعاد الطالب والعملية التعليمية عن الصراعات السياسية، مع أهمية وضع الرموز الثقافية والفكرية والتاريخية التي ساهمت في الفكر والتراث واللغة الكردية. أسوة بالشخصيات العربية في الكتب.
2- منع إلزام الطلبة في المشاركة بأي مظاهرة أو نشاط سياسي لأي طرف كان
3-ضرورة إعادة تأهيل المدرسين لتغليب المصلحة العامة على مصلحة الأحزاب، وتوحيد الخطاب التدريسي حول كل القضايا، وهو يستلزم تأليف مواد ثقافية اجتماعية حول القيم والثقافة الإنسانية وحقوق الإنسان، الصحة النفسية وتقدير الذات، إدارة المشاريع الصغيرة، مهارات الحياة، التفكير الإيجابي والذكاء العاطفي والصناعي، والبرمجة العصبية اللغوية كمواد إضافية عوضاً عن المواد المؤدلجة لدى الطرفين.
4-عدم تأليف كتب مشوهة عن تاريخ شعوب ومكونات المنطقة، وأن لا تكون كتب التاريخ والجغرافية محددة بتاريخ حركة سياسية معينة.
5-فصل تعيين الكوادر التربوية والمشرفين على المدارس عن الموافقة الحزبية. الأمر الذي يجب أن يُلغى تماماً والاعتماد على الشهادات وأصحاب الخبرة في مجال التربية والتعليم.
6-إنهاء احتكار مؤسسة اللغة الكردية التي تمنح موافقات التعيين في الإدارة الذاتية، وهو ما يتطلب إنشاء معاهد لغة كردية مرتبطة بالجهة المختصة في الإشراف على التربية لا أن تكون حكراً على معهد تابع لحزب واحد، وكذلك يمكن الاستفادة من معهد اللغة الكردية في باريس، أو خريجي المعهد العالي للغات في دمشق التي خرجت مجموعة من طلبة اللغة الكردية.
7- حصر كل الهواجس والموافقات في قضية كتابة المناهج باعتبارات تربوية وتعليمية محددة، وليس موافقات سياسية. حيث تحتاج عملية كتابة المناهج إلى مجموعتين إحداها تؤلف المناهج، والأخرى تشرف عليها. حيث تتطلب جملة من الشروط الواجب توافرها في أي عضو من المجموعتين: مؤهل علمي وتخصصي وخبرة تراكمية. وضرورة خضوعهم مع المعينين في جميع الوظائف التوجيهية ضمن التربية لدورات واختبارات متلاحقة بشكل مستمر.
8-العامل الأكثر استجلابا للراحة لدى أهالي الطالب هو تدوين أسماء المؤلفين على الكتاب. علماً أن كل كتاب مدرسي بحاجة إلى عدد من المختصين، والمراجعين، والمدققين، والأخصائيين النفسيين والتربويين.
9-الشرط الضروري أن يكون مؤلف المنهاج والمشرف عليه على خبرة ومعرفة تامة بكامل المرحلة التعليمية من الأول الابتدائي إلى الثالث الثانوي؛ فكتابة المناهج تحتاج لكم تراكمي يراعي عقل ومستوى الطالب في كل صف بحيث أن مؤلف أو مشرف مادة في الصف الأول (الرياضيات مثالاً) يجب أن يكون على دراية بدروس الرياضيات التي يتوجب على الطالب أن يتلقاها منذ الصف الأول وحتى الشهادة الثانوية، والأمر نفسه لباقي الصفوف والمواد.
10-وفي حال شراء أو الاعتماد على مناهج دولية، يتوجب مراجعتها لأنها في الغالب ستكون مقبولة بسبب تأليفها من قبل مختصين واعتراف دول وهيئات الأمم المتحدة بها. لكن يفضل أن تقوم لجنة مختصة بالمراجعة لمعرفة مضمون المنهاج قبل تدريسه.

بعض الحلول الاسعافية

ضرورة إفساح الإدارة الذاتية المجال أمام طلبة شهادتي الإعدادية والثانوية للتقدم إلى الامتحانات في مناطقهم ومدنهم لكي يتقدم طلبة الصف التاسع للامتحان في مدنهم عوضاً من السفر إلى القامشلي أو الحسكة. وتقديم الطلبة الأحرار لامتحاناتهم في القامشلي الحسكة معاً، علماً أن العديد من الشباب لم يتقدموا لامتحانات الثالث الثانوي خوفاً من سوقهم للجيش من قبل الحكومة السوري. كما كان يتوجب على الإدارة الذاتية قبول طلب مديرية التربية بالحصول على بعض المدارس تحت سيطرة الإدارة في فترة انتشار وباء كوفيد -19.

 

Scroll to Top