تحديات السلام في سوريا من دون ادماج شرق الفرات

يناقش خضر خضور أن حالة عدم الاستقرار المستمر في منطقة شمال شرق سوريا تعني أن أي اتفاق سياسي يخصّ سوريا لن يتمكن من تسوية النزاع بالكامل ما لم يشمل هذه المنطقة.
المحتوى

ملخص

تحوّلت منطقة شرق الفرات إلى عنصر رئيسيّ في الصراع الدائر في سوريا. هذه المنطقة التي لا تزال عرضةً لتغيير الحدود والتي تحوي مجموعة متنوعة من القوى المحلية والإقليمية والدولية. 
يناقش خضر خضور في ورقة السياسات هذه أن حالة عدم الاستقرار المستمر في هذه المنطقة تعني أن أي اتفاق سياسي يخصّ سوريا لن يتمكن من تسوية النزاع بالكامل ما لم يشمل هذه المنطقة. لكن الأوضاع المتوترة التي تجعل المنطقة من الأهمية بمكان لحلّ الصراع الأوسع نطاقاً، تجعل أيضاً من التوصل إلى صفقة مماثلة أمراً غير مرجّح في المدى القريب. 

أبرز النقاط

 

  • لم يحلّ السلام على المنطقة بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، ويساهم وجود النظام والأتراك وبقايا التنظيم عند الحدود في إبقاء التوترات مرتفعة. 
  •  ما زالت القوى الدولية والإقليمية تنظر إلى المنطقة باعتبارها “ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية”، غير أن عدم الاستقرار في الواقع يُعتبر أحد مخلفات أربعة عقود من سيطرة النظام – والفراغ الذي خلّفه غيابه – بالمقارنة مع الوقت المحدود نسبياً الذي قضته المجموعات الجهادية هناك.
  •  كانت المنطقة في حالة دائمة من عدم الاستقرار المستدام ذاتياً منذ منتصف عام 2012، إذ ولّد تدخل كل قوة من القوى مزيداً من عدم الاستقرار، وتكلّل ذلك بالتدخل العسكري التركي الحاصل مؤخراً. 
  •  تزايدت أهمية الوجود الروسي عقب التدخل العسكري التركي بُعيد عملية “نبع السلام”، وأصبحت روسيا أكثر فاعلية نتيجة وجودها على بعد بضع كيلومترات فحسب عن القاعدة الأميركية. جعل ذلك من المنطقة مجال نفوذ جديد بالنسبة إلى روسيا وزاد من احتمال بقاء النظام في أماكن تواجده في المستقبل المنظور. 

خلاصة

تعدّ منطقة شرق الفرات مكوّناً رئيساً في الصراع السوري المستمر، وتتمتع بأبعاد إقليمية ودولية قوية. لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم في سوريا ما لم تُؤخذ هذه المنطقة بعين الاعتبار وما لم يتم ربطها ببقية الأراضي السورية وكسر عزلتها. ومع ذلك فهي غير مشمولة في العملية السياسية. هذه هي معضلة المنطقة: لا يمكنك تحقيق السلام دون إدراج هذه المنطقة في خطتك لكن سيضمن الفيتو التركي بشكل خاص بقاءها خارج إطار عمل أية تسوية محتملة. 

في الوقت ذاته، تمكّن قادة هذه المنطقة – أي القادة الأساسيون الذين كانوا مقاتلين سابقين في حزب العمال الكردستاني– من إيجاد مكان لهم في الأراضي على طول الحدود في تركيا موجدين بذلك أحد عناصر الصراع الإقليمي في المنطقة. 

ستبقى أوجه التوتر هذه عاملاً مهيمناً في المنطقة حتى تحدث تسوية بين السوريين تشمل هذه المنطقة، وهو احتمال يبدو مستبعداً في المستقبل القريب. 

على عكس المعارضة ومجموعات الثوار، لم تحاول قوات سوريا الديمقراطية أن تكون بديلاً للنظام في دمشق بحد ذاتها. إذ يقتصر مشروعها عوضاً عن ذلك على منطقة جغرافية محددة ولديها مشروع سياسي بُني على أساس تلك المنطقة الجغرافية. تتذرع الإيديولوجية السياسية والبلاغة التي يتمتع بها حزب الاتحاد الديمقراطي– بالإضافة إلى حزب العمال الكردستاني – خلال السنوات الأخيرة برؤية غير قومية تربط المجتمعات الديمقراطية عبر مجموعة متنوعة من المناطق في جميع أنحاء الشرق الأوسط. بالتالي، فإن هذا التصور غير إقليمي في جوهره ويحاول تجاوز حدود الدول القومية والحدود الحديثة. على الرغم من ذلك، عندما حاولت قوات سوريا الديمقراطية نشر هذه الرؤية خارج المناطق ذات الغالبية الكردية في سوريا وصولاً إلى المناطق ذات الغالبية العربية -حيث لا تمتلك دعماً قوياً مسبقاً أو معرفة مسبقة بالديناميات الاجتماعية المحلية- تبيّن أنها أكثر هشاشة مّما تبدو. ويوضح هذا أن تلك المنطقة لا تزال هامة – أي أن وجهة نظرها السياسية لا تزال مرتبطة بمنطقة جغرافية محددة، ما يعني بدوره أن المشروع بحد ذاته يتميز بهشاشة محددة: فأي تغييرات في الهيمنة على هذه المنطقة الجغرافية سينضوي بالضرورة على تغيير في المشروع السياسي. 

من المرجح أن يُبقي الافتقار إلى الاستقرار المؤسسي في المنطقة، والطبيعة التجريبية لهيكليات الحوكمة، ووجود مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية ذات الأجندات المتصارعة، منطقة شمال شرقي سوريا في وضع متقلب في المستقبل المنظور. ولأن هذه المنطقة تعتبر مركزية للغاية بالنسبة إلى الصراع، سيتعين أخذ هذا بعين الاعتبار ضمن الجهود المبذولة لإيجاد حل دائم للصراع الجاري في سوريا. ومن المرجح ألا تحقق أية تسوية لا تراعي ديناميات المنطقة المعقدة والعقبات التي تفرضها أمام الاستقرار، استقراراً دائماً لسوريا ككل. وفي الوقت ذاته، من المرجح أن يُكتَب نجاح محدود لأية محاولات تهدف إلى تحقيق استقرار داخلي في المنطقة دون أخذ تسوية أوسع نطاقاً على المستوى الوطني للديناميات الوطنية التي تساهم في عدم استقرارها بعين الاعتبار. 

Scroll to Top