مخيم الهول: تحديات خروج السكان والعودة وإعادة الاندماج للقاطنين السوريين

حتى مارس/آذار 2021، بقي ما لا يقل عن 61 ألف شخص في مخيم الهول في شمال شرق سوريا. ومع ذلك، يتم الإفراج تدريجيا عن السكان، إلا أن إعادة الاندماج في المجتمع تشكل عقبة رئيسية أمام إستقرار المنطقة. تقدم هذه الورقة تحليلا أوليا لبعض التحديات التي تحتاج إلى معالجة مع إخلاء مخيم الهول ببطء.
المحتوى
  • مقدمة: 

 

تشكل مسألة النازحين والمحتجزين في مخيم الهول في شمال شرق سوريا، وبشكل خاص التحديات التي تواجه إعادة اندماج الخارجين منه مع المجتمعات المحلية، عقبةً في طريق تحقيق الجهود الرامية لإعادة الاستقرار في المنطقة ومكافحة فرص عودة تنظيم داعش أو غيره من التنظيمات المتطرفة العنيفة. حيث تبرز هذه المسألة كقضية بالغة التعقيد تتضافر فيها عوامل متعددة تتخطى في كثير من الأحيان الحدود الجغرافية للمنطقة. 

تقدم هذه الورقة تحليل وضع أولي بما يخص موضوع العائدين من مخيم الهول إلى مناطق ريف محافظة دير الزور، الواقعة تحت سيطرة الادارة الذاتية في شمال شرق سوريا، و بشكل أكثر تحديداُ تقدم سرداً عن آليات و طرق العودة و التحديات المرتبطة بها؛ كما تتطرق إلى الصعوبات التي تواجه العائدين على مستوى الحياة اليومية ومعوقات إعادة الاندماج مع المجتمع المحلي. 

تعتمد هذه الورقة على معطيات تم جمعها من مصادر أولية خاصة لهذا الغرض، عن طريق استبيان مصغر مع 25 سيدة من العائدات مع عائلاتهن إلى بلدات وقرى في ريف دير الزور الشرقي؛ و مقابلتين نوعيتين عبر الانترنت مع شخصيات مفتاحية من المنطقة، أحدهما ممثل لمنظمة مجتمع مدني محلية تركز في عملها على العائدين ، و الأخرى مع شيخ عشيرة من المنخرطين مباشرة في ملف الكفالات العشائرية. كما تم دعم هذه البيانات بمدخلات من أربع جلسات حوارية تم عقدها مع وجهاء وشخصيات محلية فاعلة في بلدات المويلح  والعزبة والشحيل وجديد عقيدات خلال شهر شباط/فبراير 2021.  

مخيّم الهول 

أنشئ مخيّم الهول من قبل المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتعاون مع الحكومة السوريّة إبّان حرب الخليج الثانيّة عام ،1991 بغية استقبال آلاف اللاجئين العراقيين الفارّين من الحرب، ليبلغ عدد اللاجئين 15 ألفاً بينهم فلسطينيّون طردوا من الكويت. إلّا أن المخيّم الذي يبعد 40 كم شرقي مركز محافظة الحسكة عاد لينشط في العام 2003 ليكون، إلى جوار مخيّمين آخرين، جاهزاً لاستقبال اللاجئين الفارين من الحرب على العراق، وليغلق المخيم في العام 2007، إلى أن تمّ افتتاحه مجدّداً  في نيسان/إبريل 2016 لكنه كان آنذاك مخصصاً للعوائل النازحة من المناطق التي تعرّضت لهجمات داعش. وفي أواخر عام 2017 بلغ عدد قاطني المخيّم 20 ألفاً، ومع هزيمة تنظيم داعش بدأ المخيم باستيعاب الوافدين الجدد وعوائل مقاتلي داعش ليبلغ العدد الإجمالي قرابة 74 ألفاً  في بدايات عام 2019. 

منذ منتصف عام 2019 بدأت عمليات اخراج بعض القاطنين في المخيم، إلا أنه و بحسب قوات سوريا الديمقراطية فلا يزال يقطن المخيم 61 ألف شخص  في آذار/ مارس من العام الجاري ، بينهم 16,784 أسرة. وتنقسم هذه الأسر إلى 8277 أسرة عراقية، و5906 أسرة سورية، و2565 أسرة لمقاتلين أجانب.  في حين تشير تقارير الأمم المتحدة إلى وجود ما لا يقل عن 40 الف طفل في المخيم من جنسيات مختلفة . كما يأوي المخيم مواطنين من 57 دولة غالبيتهم الساحقة من عائلات داعش.  

تتبع إدارة المخيم لهيئة الشؤون الاجتماعية و العمل في الادارة الذاتية، في حين تشرف منظمة بلومونت على تنظيم المخيم و ادارة احتياجات سكانه.  إلا أن القاطنين فيه يعانون من تدهور الوضع الإنساني، و ضعف الخدمات و عدم توافر الاحتياجات الرئيسية من طعام و مياه شرب و رعاية صحية، بحسب التقارير الحقوقية و الاخبارية و شهادات العائدين.

بالإضافة إلى سوء الاوضاع الانسانية و المعيشية، يشكل الوضع الامني الهاجس الأكبر لادارة المخيم و لعموم المنطقة.  حيث أنّه وخلال العام الماضي فقط وقعت 47 جريمة قتل داخل المخيّم من بينهم 30 قتيلاً من العائدية العراقيّة. بالإضافة إلى ذلك فإن الحملة الأمنية التي قامت بها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) و ذراعها الأمني (قوات الأسايش ) في شهر آذار/مارس  كانت قد كشفت عن كمية من الأسلحة والأنفاق موجودة في المخيم، و قامت على أثرها بعمليات احتجاز ليبلغ عدد المعتقلين 28 شخصاً بينهم قياديين بارزين في داعش،   الأمر الذي يعكس الخطورة التي تنطوي عليها عملية البقاء داخل المخيّم، فضلاً عن ما يتطلّبه تأمين المخيّم من جهوزية مستمرة ومراقبة دائمة. وإذا كانت الإدارة الذاتية قد أعلنت عن تحسن أوضاع المخيم بعد العملية الأمنية الأخيرة إلّا أنه و بحسب بعض الشخصيات المستطلعة آرائهم في هذه الورقة  فإن المخيم يعيش “وضعاُ كارثياُ” و يمكن أن يوصف بـ “قنبلة موقوتة”. 

وفي ظل تراخي الدول في استرجاع مواطنيها ممن انخرطوا في صفوف التنظيم، فإن نظام الكفالات العشائرية بالنسبة للسوريين ساهم في إخراج الآلاف من سكانه منذ حزيران 2019 وحتى الآن، إلّا أن عملية إخراج العائلات ما تزال دون المستوى المطلوب وبحاجة إلى جهود أوسع على مستويين: الأول هو الاسراع في إخراج العوائل والأطفال الراغبين في العودة إلى عائلاتهم ومناطق سكناهم أو إلى منطقة يرغبون الانتقال إليها، وثانياً تأمين بيئة مناسبة لضمان إعادة اندماج العائلات العائدة مع االمجتمع مرة أخرى.  

المخيّمات الأخرى في المنطقة

بالإضافة إلى إيواء النازحين في بعض الحالات المؤقتة في المدارس تبعاً للحاجة والعجلة، تعدّدت المخيّمات في مناطق شمال وشرق سوريا، وتراوحت ما بين مخيمات كبيرة وأخرى أصغر، وقد بلغ عددها أكثر من عشر مخيمات. بعضها توقف عن الخدمة وبعضها الآخر ما زال يأوي النازحين، كمخيمات مشته النور في كوباني الذي تأسس عام 2015، ومخيمي المالكية/ديريك وهما روج في قرية كرى رش و نيروز وتم تأسيس هذين المخيمين عام ،2014 وكانت الغاية من إفتتاحهما استقبال اللاجئين العراقيين الفارين من هجمات داعش، لا سيما القادمين من سنجار وناحيتي زمار وشيخان، وثم تحولا لايواء عناصر داعش الاجانب.. ومخيم السد/الشدادي والذي افتتح في حزيران 2017 ليأوي 4000 نازحاً.. وكذلك مخيم الطويحينية بريف الرقة، ومخيمي الرشيد وتشرين في الرقة، ومخيّم أبو خشب. ومخيم عين عيسى الذي ضم حوالي 10000 مقيم وافدين من الرقة ومخيم المبروكة جنوب مدينة رأس العين الذي بلغ استيعابه قرابة 14000 ألف مقيم والذي افتتح في كانون الثاني 2015 وتم اغلاق المخيمين بعد عملية نبع السلام. معظم هذه المخيمات أقيمت لتستوعب الفارين من داعش، أو ممن نزحوا إبان الحرب على التنظيم في سوريا، أو لجأوا من المناطق الحدودية داخل العراق إلى مخيمات الإدارة الذاتية. 

 بالإضافة إلى النازحين واللاجئين في فترة تمدد داعش أو في فترة الحرب عليها، أدت الحرب التي قادتها الفصائل المدعومة تركياعلى منطقتي رأس العين وتل أبيض إلى حدوث موجة نزوح في أواخر عام 2019، أفضت بدورها إلى إفتتاح مخيم واش وكاني لنازحي رأس العين، والذي يأوي قرابة 7500 شخصاً، ومخيم تل أبيض في الرقة والذي تمت توسعته لاحقاً نظراً إلى تدفق النازحين. 

بالإضافة إلى ذلك، تحوّلت العديد من المدارس (خصوصاً في محافظة الحسكة) إلى مراكز إيواء مؤقتة، نظراً إلى حركة النزوح الكبيرة التي كانت ترافق العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات التحالف الدولي وقسد في سياق محاربة داعش. 

تشرف على هذه المخيمات أيضاً هيئة الشؤون الاجتماعية والعمل التابعة للإدارة الذاتية، ومنظّمات محلية كالهلال الأحمر الكردي، وأخرى دولية كمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، واليونيسيف، بالإضافة إلى منظمات عالمية مثل  Mercy Grops، People im need، IRD،IRC.  

سبل الخروج من المخيم لقاطنيه من السوريين:

  •  نظام الكفالة 

إن أحد أهم الطرق المتبعة لإخراج العائلات من مخيم الهول هو نظام الكفالات العشائرية، القائم على وساطة إحدى عشائر المنطقة (متمثلة بالشيوخ والوجهاء) لخروج أسماء محددة بحسب قوائم متفق عليها بين الوجهاء الكفلاء وادارة المخيم، وهي غالباً ما تكون قوائم بأسماء عائلات من نفس العشيرة، أو من عشائر أو بيوتات معروفة لدى العشيرة المتقدمة بالكفالة؛ ويكون المكفولون من السوريين تحديداً.  يتم العمل بمبدأ الكفالات العشائرية منذ منتصف عام  2019 ، ضمن الاطار العام للكفالات الذي قدمته الادارة الذاتية في شمال شرق سوريا للتعامل مع أزمة النازحين داخلياً، بعد القضاء رسمياً على آخر المعاقل المعلنة لتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) في الباغوز آذار 2019.  وبحسب أحد وجهاء العشائر في دير الزور من الذين تمت مقابلتهم  خلال إعداد هذه الورقة، فقد خرج حتى اليوم ما يقارب 5000 عائلة بهذه الطريقة، منهم 1200 عائلة خرجت إلى الرقة. و بحسب بعض النساء العائدات من مخيم الهول من اللواتي تمت مقابلتهن، فإن الكفالة العشائرية تمثّل الطريق الأقل خطورة والأقل تكلفة على العائلات الراغبة بمغادرة المخيم. من ضمن النساء ال 25 اللواتي تمت مقابلتهن ضمن الاستبيان المعد لأجل هذه الورقة، ذكرت إحدى عشر سيدة أنهن خرجن عن طريق الكفالات (كفالة عشائرية او كفالة اقرباء) وهي الطريقة الأكثر أمناً. حيث يشكل البقاء لمدة طويلة في المخيم حتى اتمام الاجراءات الخاصة بالخروج من أهم المعوقات المذكورة. بالنسبة لأولئك السيدات فإن التحديات الأصعب هي  مرحلة ما بعد الخروج و ليس عملية الخروج.  وبطبيعة الحال تبرز بعض المشاكل التي ترافق عملية الإخراج من المخيم، على سبيل المثال، رفض ذوي سيدة مقيمة إخراجها برفقة أولادها، واشترطوا عليها أن تخرج بمفردها لأنها كانت متزوجة من شخص غير معروف إليهم (أجنبي الجنسية).

بالاضافة إلى الكفالات العشائرية أو العائلية، يتم استخدام هذا المبدأ من قبل جهات أخرى لتسهيل خروج بعض العائلات. على سبيل المثال، عمل تجمّع من خمس منظمات مدنية محلية في دير الزور، بالتنسيق مع مجلس دير الزور المدني، على تحضير قوائم لعائلات مقيمة في مخيم الهول بناء على معلومات وبيانات تم جمعها من أقارب هذه العائلات في المناطق المستهدفة. وبحسب أحد ممثلي منظمات المجتمع المدني ممن تمت مقابلتهم، فقد تم اخراج ما يقارب 75 عائلة بهذه الطريقة. لكن هذه الطريقة لا تزال إلى حد كبير غير ممنهجة وتعتمد على التنسيق والتواصل بين فاعلين من جهات مختلفة مما يحد من فاعليتها، كما أن ارتباط نشاط منظمات المجتمع المدني بتوفر التمويل و أجندات المانحين يزيد من تعقيد هذه العمل و محدودية فعاليته. 

من المعوّقات التي تعترض طريق الكفالات أيضاً مسألة الفساد و المحسوبيات. حيث تم تداول تقارير و اخبار عن مبالغ ماليّة يتقاضها بعض الوسطاء/الكفلاء من ذوي بعض مقيمي المخيّم،  مقابل اضافتهم إلى قوائم الكفالات. الأمر الذي يسيء إلى جهود شيوخ ووجهاء يقومون بدورهم في الكفالة. وخلال اتصال مع شيخ عشيرة كبيرة في دير الزور، عبّر الشيخ عن انزعاجه من “الرشاوي” التي يتلقّاها بعض الكفلاء، وكيف أنّها دفعته للإحجام عن تقديم الكفالات حتى لا تتلطخ سمعته بمسألة تلقي الأموال، كما أكّد أن آخرين أيضاً توقّفوا عن مساعدة مقيمي المخيّم لذات الأسباب. 

  •  طلبات الخروج من المخيم بدون كفالة:

 بحسب الاستبيان الذي تم اجراؤه من ضمن الاعداد لهذه الورقة، ذكرت ثمان سيدات من اصل 25 أنهن خرجن عن طريق تقديم طلبات خروج لادارة المخيم. بحسب المعلومات المتوفرة فإن هذه الالية متاحة للعائلات القاطنة في المخيم و التي دخلت المخيم طوعاُ ولا  ترتبطها أي علاقة مباشرة بعناصر تنظيم داعش. بحسب هؤلاء السيدات فإن العملية تطلبت منهن تقديم طلبات متكررة و الانتظار لفترات طويلة  تصل حتى السنة إلى حين تمام الموافقة على الطلب. وبحسب مصادر إعلامية فقد خرج خلال شهر آذار 2021 ما يقارب 65 عائلة بهذه الطريقة بعد أن تم التحقق من ثبوتياتهم و اجراء دراسة أمنية عنهم . 

  • الطرق غير النظامية (التهريب)

بالإضافة إلى العائلات التي تغادر المخيم عن طرق الكفالات العشائرية او الشخصية، تلجأ بعض العائلات القاطنة في المخيم إلى طرق أخرى لتأمين عملية خروجها بطرق غير نظامية، تتضمن دفع مبالغ مالية لمهربين مقابل اخراج العائلة من المخيم؛ واحدة من تلك الطرق التي تمّ الكشف عنها كانت عبر استخدام شاحنات المياه “الصهاريج” والتي كادت أن تودي بحياة الفارين، الأمر الذي يعكس خطورة وسائل التهريب. لكن رغم الحديث عن ظاهرة التهريب فإن  رصد طرق و آليات توثيق هذه العمليات ليس كافياً رغم وقوعها وحديث بعض ممن  أجريت الاتصالات معهم عنها، حيث نوه أحد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم عن غياب أية معلومات أو احصائيات موثوقة لأعداد العائلات الخارجة من المخيم عن طريق التهريب واضاف ان أحد الأسباب التي تؤدي إلى شحّ المعلومات هو أن انكشاف أمر المهرّبين سيؤدي إلى التعرض للمحاسبة والمساءلة.

من خلال الاستبيان الذي أجراه فريق البحث، أقرت ست سيدات مستبينات أنهن خرجن من المخيم عن طريرق التهريب. بالنسبة لهذه السيدات فإن المبالغ المالية الطائلة التي تم دفعها للمهربين كانت من أهم الصعوبات التي رافقت عملية الخروج. لا توجد اية ارقام او معلومات دقيقة عن المبالغ التي يتم دفعها لعمليات التهريب، إلا أن بعض المصادر تشير إلى مبالغ تعادل 800 $ للشخص الواحد. 

بالإضافة إلى العائق المادي، فإن الخروج من المخيم عن طريق التهريب محفوف بالمخاطر، حيث ان عمليات التهريب تتم من قبل عصابات داخل و خارج المخيم. وبحسب أحد المصادر المقربة من إحدى العائلات المهرَّبة، فإن التعرض لهجمات بعيد الخروج من المخيم وقبل الوصول إلى الوجهة النهائية هو أمر شائع، وقد تكررت عدة حالات بفشل عملية التهريب و عودة العائلة إلى المخيم. 

توزع العائدين

في ظل غياب إحصائيات وأرقام دقيقة عن أعداد العائدين من مخيم الهول إلى دير الزور، وخاصة مع انتشار عمليات التهريب بكثرة، تبرز مشكلة توثيق أماكن تواجد العائدين كتحدٍ آخر لمعالجة المشاكل المتفرعة عن هذا الموضوع. إلا أنه يمكن حصر نماذج التوزع وفق ثلاث فئات أساسية:

1. العائدين إلى مناطقهم الأصلية في ريف دير الزور: و يندرج تحت هذه الفئة بشكل أساسي العائدين عن طريق الكفالات حيث إن العودة تكون إلى مكان إقامة محدد بحسب شروط الكفالة. على سبيل المثال فإن العائلة العائدة من الهول عن طريق كفالة عشائرية غالبا ما تعود لتقطن في أماكن انتشار العشيرة نفسها،  أو في أماكن تواجد الأقارب بحسب الأسرة المسؤولة عن الكفالة. بالاضافة إلى ذلك، يدخل الوضع الأمني والاقتصادي كعامل مؤثر في توزع العائدين، ذلك أن أغلب العائدين الذين ينحدرون في الأساس من المناطق التي تقع تحت سيطرة الادارة الذاتية، في شمال و شرق سوريا، يعودون إلى مناطقهم الأصلية بسبب الوضع الأمني المستقر نسبياً مقارنة بالمناطق الأخرى، أو لأن القرب من العائلة يؤمن للعائدين السكن والمعيشة الضرورية في بعض الأحيان. 

2. العائدين إلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في ريف دير الزور  الذين ينحدرون من مناطق أخرى: يندرج تحت هذه الفئة العائدين من مخيم الهول والذين تقع مناطق سكنهم الاصلية حالياً تحت سيطرة قوات النظام السوري والميليشيات التابعة لها. على سبيل المثال، ذكر المشاركون في الجلسة الحوارية في العزبة أن هناك سبع قرى شرق الفرات تقح حالياُ تحت سيطرة قوات النظام و الميليشيات الايرانية المتحالفة معها، و يتجمع النازحون من هذه القرى في تجمع بيوت طينية على أطراف بلدة العزبة. 

3. العائدين إلى مناطق أخرى في سوريا أو خارجها: يندرج تحت هذه الفئة الخارجون من مخيم الهول و الذين ينحدرون من مناطق أخرى كمحافظة الرقة أو ريف حلب الشمالي. إلا ان بعض المعلومات تشير أيضاُ إلى تركيا كوجهة لبعض المجموعات من العائدين، وخاصة فئة الشباب الباحثين عن فرص عمل او الهاربين من لتضييق الامني (اعتقالات و تجنيد) 

 

التحديات التي تواجه العائدين وفرص اعادة الاندماج:

  • السكن: يشكل غياب المسكن اللائق أحد أهم التحديات التي تواجه العائلات العائدة من مخيم الهول، خاصة النساء والأطفال. من بين ال 25 امرأة اللواتي تمت مقابلتهن في الاستبيان، صرحت 17 امرأة أنها تقيم مع عائلة اخرى في نفس المنزل، إما عائلة ذات قرابة كالأهل أو أهل الزوج، أو عائلات أخرى تتشارك معها نفس الوضع. بالاضافة إلى ذلك، ذكرت اثنتان من السيدات أنهن تقمن في ملاجئ مؤقتة غير معدة للسكن (مدجنة قديمة). بحسب أحد الأشخاص المفتاحيين الذين تمت مقابلتهم فإن العديد من العائلات العائدة وجدت بيوتها السابقة مدمرة أو غير صالحة للسكن، مما اضطرهم إلى بناء خيم من المواد المتوفرة للاقامة فيها (كالخيش)، أو العودة للاقامة في مخيم آخر من مخيمات النازحين في المنطقة (مخيم السد و مخيم أبو خشب)، في حين ذكر مصدر آخر انتشار بيوت الطين المبنية على عجل على أطراف القرى و البلدات  في بعض  مناطق ريف دير الزور. 
  • الوضع الاقتصادي و المعيشي: يبرز الوضع الاقتصادي والمعيشي، وتوفر وجودة الخدمات الأساسية في مناطق العودة،كأحد أهم التحديات التي تواجه العائدين وتحدّ من فعالية جهود إعادة الاندماج. كما تبرز مشكلة عدم وجود مراكز متخصّصة بتقديم المساعدة للعائدات، ما يجعل النسوة الخارجات من المخيم عرضة للاعتماد على مساعدات الأقارب أو العودة إلى المخيّمات .من ضمن ال 25 سيدة اللواتي تم استبيانهن، ذكرت 17 أنهن يعشن مع أولادهن بدون أي معيل ثابت، في حين تعتمد ستة منهن على أحد أفراد العائلة كمعيل أساسي (الاب او الابن او الاخ). في المقابل ذكرت سيدتان فقط أنهن تعملن و تتكفلن بإعالة الأسرة. في هذا السياق تلعب محدودية فرص العمل المتوفرة للنساء والضعف العام في المؤهلات دوراً أساسياً في صعوبة تأمين فرص عمل مستدامة و كافية لإعالة الأسرة.  وبحسب أحد الوجهاء المحليين المشاركين في جلسات الحوار المحلية حول أوضاع العائدين، فإن ” قسما كبيرا من المحتجزين في مخيم الهول يفضلون البقاء في مخيم الهول على العودة إلى قراهم بسبب الأوضاع الاقتصادية”  حيث أن البقاء في المخيم قد يضمن فرصة العائلة بالحصول على المساعدات الانسانية من إدارة المخيم. 
  • نظرة المجتمع للعائدين:  تواجه عمليات إعادة الاندماج مع المجتمع المحلي تحدياُ آخر يتعلق بتقبل المجتمعات المحلية للعائدين، خاصة اولئك المعروف أو المشتبه بارتباطهم السابق بعناصر التنظيم. على سبيل المثال، ذكرت ثلاثة من السيدات اللواتي تم استبيانهن أنهن تعانين من نظرة المجتمع السلبية لهن و الخوف منهن و معاملتهن على أنهن متطرفات، مما يدفعهن للعيش بعزلة على أطراف القرى و البلدات التي عدن اليها، مع العلم أن اثنتنين منهن  كن متزوجات من مقاتلين أجانب (مهاجرين).  إلا أن الشيخ العشائري الذي تمت مقابلته لغرض هذه الورقة قدّم وجهة نظر مختلفة تماماُ، فقد اكّد أن المجتمعات ترحب بالعائدين من المخيّم، وأن “العائدات هنّ من بنات عشائرنا ويتوجب علينا أن نرحّب بهن ونقدّم لهن كل ما باستطاعتنا تقديمه، ولا توجد نظرة تمييزيّة إليهن”. 
  • الاشكاليات القانونية و التوثيقات المدنية:  تواجه العائدين أيضاُ تحديات جمة تتعلق بموضوع التوثيقات المدنية. حيث أنه ليس بمقدور الكثير من العائدين استصدار أوراق ثبوتية لأنفسهم ولأطفالهم، خاصة أن واقعات الزواج لم تثبّت في اية سجلات مدنية. الإضافة إلى الجهل بجنسية الآباء/المقاتلين ومنع القانون السوري من منح الجنسية السورية لأبناء السوريات المتزوّجات من أجانب، فضلاً عن صعوبة (إن لم نقل استحالة) تسجيل أبناء السوريين في السجل المدني باعتبار أن السجلات الرسمية واقعة في مناطق سيطرة الحكومة السورية في مدينة دير الزور، ما يجعل مسألة تسجيل المواليد بطريقة رسمية بحاجة إلى معالجة خاصة. 
  • مخاطر الفكر المتشدد: في ظل غياب برامج واضحة واسعة النطاق بما يخص محاربة الفكر المتطرف، سواء داخل المخيم او خارجه، تبرز اشكالية انتشار الفكر المتطرف كتحد أساسي يواجه عمليات إعادة الإندماج . حيث نوه أحد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إلى الخطر المتعلق بالفكر المتطرف، خاصة لدى الأطفال و فئة الشباب الذين عاشوا أغلب فترات حياتهم في ظل هذا الفكر و “لا يعرفون إلا الخيمة و خطاب التطرف و فكر داعش”، وأشار المتحدث إلى المعضلة الأخلاقية في الموازنة بين الوضع الانساني و التعاطف مع عائلات المقاتلين من نساء و أطفال، و بين الخطورة التي ينطوي عليها تأثرهم أو اقتناعهم بالفكر المتطرف. كما يشكل هذا العامل، بحسب مصادر هذه الورقة، تحدياُ لتصميم برامج الدعم النفسي او الاقتصادي للعائدين، خاصة من النساء و الأطفال. حيث ذكر ممثل أحد المنظمات المدنية مثالاُ عن احجام سيدة عن الانضمام لبرنامج تأهيل مهني في مجال تصفيف الشعر لانه “حرام”. كما تبدو الحاجة ملحة لوجود خبرات و مؤهلات من قبل العاملين في القطاع المدني، لتصميم برامج دعم نفسي اجتماعي تأخذ مسألة الفكر المتطرف وفرضية عدم التقبل بعين الاعتبار.
  • تحديات سياقية: تشكل التخوفات الأمنية تحدياُ اساسياُ يواجه العائدين من المخيم و المجتمعات المحلية على حد سواء، خاصة في ظل تزايد نشاط الخلايا النائمة لتنظيم داعش و انتشار عمليات الخطف و الاغتيالات. وفي سياق متصل، ذكر أحد الوجهاء المشاركين في جلسات الحوار أن عمليات المداهمات و العمليات الأمنية التي تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية في المنطقة تساهم ايضاُ في تعثر عملية اعادة الاندماج، و قد تمت الاشارة إلى مطالبات من قبل بعض المجتمعات المحلية بخروج النازحين من المنطقة بسبب ارتباطهم المباشر و دورهم في “الفلتان الأمني”. و قد وصف الشيخ العمليات الامنية التي تتم في المنطقة على أنها “مضايقات للعائدين و عائلاتهم”. علاوة على ذلك أشار عدد من المشاركين في جلسات الحوار إلى صعوبة فصل مسألة العائدين و اعادة الاندماج عن الواقع الامني و السياسي للبلد ككل، مشيرين إلى تعثر الحل السياسي كمطب يواجه اعادة الاستقرار وتحسين الاوضاع المعيشية للعائدين و المجتمعات المحلية على حد سواء. 

 

 

 

خلاصة و توصية: 

تقدم هذه الورقة تصوراً عاماً عن الطبيعة المعقدة لمسألة العائدين من مخيم الهول، و تحديات اعادة اندماجهم مع المجتمع المحلي، لتشكل مدخلاً للتوسع و التقصي المعمق لهذه المسألة. حيث أن المعطيات الواردة في هذه الورقة تشير إلى تداخل عوامل اجتماعية و اقتصادية و أمنية و نفسية و إدارية متعددة ذات تأثير بالغ على الموضوع، كما تشير إلى تعدد المستويات و تعدد الفاعلين المنخرطين، مما يحتم التنسيق العالي للجهود الرامية إلى التعامل مع هذه المشكلات. 

إن غياب المعلومات الواضحة عن آليات الخروج و أعداد العائدين و توزعهم، و ضعف التخطيط و التنسيق على المستويات المختلفة و بين الفاعلين المختلفين، يشكل العاملَ الاول الذي يتحتم إيلاء الاهتمام به لتعزيز فرص الحل و الانتقال إلى مرحلة أكثر استقراراً. مما يشير أيضاُ إلى ضرورة تكثيف عمليات التوثيق و التحقق و التقييم بشكل ممنهج، و البناء عليها لتطوير خطط و برامج و آليات مختلفة تضمن تضافر الجهود و تحقيق أثر تراكمي، يستجيب للتحديات المباشرة على الصعيد المعيشي و الإنساني، و كذلك للتحديات الاكثر خطورة و تعقيداُ، والمرتبطة بالسياق الاجتماعي و الامني و النفسي للعائدين و للمجتمعات المحلية على حد سواء. 

 

 

[1] جسر برس: بالأرقام تاريخ مخيم الهول 25.03.2021. شوهد في 13.04.2021 https://bit.ly/3wVlDGg

[2] BBC عربي: مخيم الهول: قوات كردية تعتقل تسعة من أفراد تنظيم الدولة الإسلامية شمالي سوريا 29.03.2021. شوهد في 13.04.2021 https://www.bbc.com/arabic/middleeast-56556376

[3] موقع أخبار الأمم المتحدة 24.03.2021. شوهد في 13.04.2021 https://news.un.org/ar/story/2021/03/1073192

[4] المرصد السوري لحقوق الانسان: قوى الأمن الداخلي “الأسايش” تعلن انتهاء المرحلة الأولى من الحملة الأمنية ضمن “دويلة” الهول 02.04.2021. شوهد في 13.04.2021 https://bit.ly/3a8zVK4

 

[5] المصدر السابق

[6] ارتا اف ام: مخيمات اللاجئين في شمال شرق سوريا (فيديو). شوهد في 13.04.2021 http://www.artafm.com/video/6947

[7] نفس المصدر السابق.

[8] تلفزيون سوريا: 65 عائلة سورية تخرج من مخيم الهولز شوهد في 13.04.2021 https://bit.ly/3wNPwIN

 

Scroll to Top